فَوائِد مَجهولَة لِتَعَلُّم اللُّغات - تَحمِي مِن الزَّهايمر!

محتويات

كيف يجعل تعلم اللغات دماغك أذكى وأسرع؟

من تعلم لغة قوم، أمن شرهم”، لكن الأمر لا يقتصر على الفهم والتواصل فقط، بل يمتد ليشمل فوائد مذهلة للدماغ. فقد أثبتت الدراسات الطبية أن تعلم اللغات يساعد في الحماية من الخرف، ويعزز من وظائف الدماغ مثل التخطيط المستقبلي، والتبديل بين المهام، والانتباه والتركيز.

كشف باحثون بريطانيون أن الأشخاص الذين يتقنون لغة ثانية – إلى جانب لغتهم الأم – يتمتعون بقدرات إدراكية أعلى، مما يبطئ من عملية الشيخوخة العقلية. ولكن لماذا يعتبر من يتحدث أكثر من لغة علميًا أذكى من غيره؟ وكيف يتغير الدماغ عند تعلم لغة جديدة؟ إذا كنا نمتلك بالفعل إحدى اللغات المطلوبة محليًا، مثل العربية، أو إحدى اللغات العالمية، مثل الإنجليزية، فلماذا نجهد أنفسنا في تعلم لغة ثالثة؟ الجواب يكمن في الفوائد غير المتوقعة لتعدد اللغات!

يعيش العالم اليوم وسط تنوع لغوي هائل، حيث يتحدث البشر قرابة 7,000 لغة. لكن مع مرور الزمن، تتنبأ الأبحاث بأن غالبية هذه اللغات ستندثر بحلول نهاية القرن، ليبقى منها حوالي 100 لغة فقط. قد يبدو هذا محبطًا للبعض، خاصة لأولئك الذين يتحدثون بالفعل لغة مهيمنة عالميًا، مما قد يدفعهم للاعتقاد بأن تعلم لغة جديدة لا جدوى منه. ولكن لحسن الحظ، تُظهر الأبحاث أن تعدد اللغات له فوائد مذهلة لم نكن نعرفها من قبل!

الأمر لا يقتصر على تكوين الصداقات أو تحسين فرص العمل فحسب، بل يتعدى ذلك ليؤثر بشكل مباشر على بنية الدماغ نفسه، مما يجعل ثنائيي اللغة مختلفين جذريًا – من حيث الأداء العقلي – عن أحاديي اللغة. كيف؟ إليكم التفاصيل:

فوائد تعلم اللغات وممارستها

أجرى بعض الباحثون تجربة على مجموعتين من الفئران حيث قاموا بتقديم نظام غذائي صحي وسليم للمجموعة الأولى. وقدموا للمجموعة الثانية نظام غذائي يحتوي على طعام غير صحي ومليء بالسعرات الحرارية والدهون والسكريات، لدرجة أنهم إكتسبوا وزناً كبيراً وبسرعة. قاموا حينها بصعق الفئران بصدمة كهربائية في أقدامهم بهدف إيقافهم عن تناول الطعام.

تحسين الذاكرة ونمو الحُصين (Hippocampus)
عند تعلم لغة جديدة وإتقانها، تحدث تغييرات فسيولوجية مذهلة في الدماغ، حيث تنمو منطقة الحُصين (Hippocampus) – وهي جزء من القشرة الدماغية مرتبط بالذاكرة، والتفكير، ومعالجة المعلومات. علميًا، ثنائية اللغة تعزز الذكاء بشكل واضح. وقد أظهرت الدراسات التي أُجريت على الأطفال ثنائيي اللغة مقارنة بأقرانهم أحاديي اللغة أن الأولين يتمتعون بذاكرة أقوى وأكثر كفاءة، مما يمنحهم ميزة معرفية تدوم مدى الحياة.

كلا اللغتين نشطتان دائمًا!
من المثير للدهشة أن تعلم لغة جديدة لا يعني فقط امتلاك وسيلة تواصل إضافية، بل يعني أيضًا أنك تُصبح شخصًا مختلفًا عند استخدامها! فالعقل يُفكر بطريقة مغايرة عند التحدث بلغة أجنبية مقارنة بالتفكير باللغة الأم. والأكثر إدهاشًا هو ما اكتشفه العلماء من أن أدمغة ثنائيي اللغة تُبقي كلتا اللغتين نشطتين في آنٍ واحد، حتى عندما يكون الشخص يستخدم إحداهما فقط. هذا النشاط المستمر يعزز القدرات الذهنية ويجعل الدماغ أكثر مرونة وكفاءة. عجيب، أليس كذلك؟ ولكن هذه مجرد البداية!

القيادة والتحدث: قدرة أعلى على تعدد المهام
أثبتت الدراسات أن ثنائيي اللغة يتمتعون بأفضلية واضحة في الأداء عند تنفيذ المهام المزدوجة التي تتطلب الانتباه والتركيز في وقت واحد، مثل القيادة أثناء التحدث على الهاتف. في تجربة شملت 82 طالبًا جامعيًا، تم اختبار قدرتهم على القيادة أثناء التحدث باستخدام برنامج محاكاة القيادة Drivesim أظهرت النتائج أن ثنائيي اللغة عانوا من انخفاض طفيف فقط في الأداء أثناء التحدث، في حين شهد أحاديو اللغة تراجعًا ملحوظًا وكبيرًا في الأداء والتركيز معا. هذا يؤكد أن دماغ ثنائيي اللغة أكثر كفاءة في التبديل بين المهام دون فقدان التركيز.

التطور العاطفي: منظور مختلف للعالم
تشير الأبحاث إلى أن الأطفال الذين يتحدثون لغتين أو أكثر ينمون من الناحية العاطفية بشكل أسرع، مما دفع بعض الباحثين إلى اقتراح تعلم لغة ثانية كخطوة علاجية للأطفال المصابين بالتوحد. أما عند البالغين، فقد أظهرت الدراسات أن تعلم لغة ثانية يؤدي إلى الاعتماد على التفكير المنطقي أكثر من العاطفي عند مواجهة المشكلات بلغة أجنبية. وهذا يعني أن تعلم اللغات قد يساهم في تعزيز مهارات اتخاذ القرار والتفكير العقلاني.

تعزيز المادة الرمادية والبيضاء في الدماغ
أظهرت دراسات أجريت على طلاب قبل وبعد تعلم لغة جديدة أن تعلم اللغات يساهم في زيادة كثافة المادة الرمادية في الدماغ، والتي تلعب دورًا أساسيًا في معالجة المعلومات والتفكير. كما أن الاستخدام النشط للغة ثانية يعزز صحة المادة البيضاء، وهي المسؤولة عن ربط الاتصالات العصبية بين أجزاء الدماغ، مما يعزز سرعة وكفاءة الأداء العقلي.

فوائد تدوم مع التقدم في العمر
تظهر فوائد ثنائية اللغة بوضوح في المراحل المتقدمة من العمر. فقد أجريت دراسات على مرضى الزهايمر في الهند، وأشارت إلى أن أعراض المرض تأخرت بحوالي خمس سنوات لدى الأشخاص الذين يتحدثون لغتين مقارنة بأحاديي اللغة.
هذه النتائج تثبت أن الدماغ ثنائي اللغة قادر على التكيف والتعامل مع أعراض التدهور المعرفي بشكل أكثر كفاءة. وأكد الطبيب البريطاني مايكل موزلي هذه الفرضية من خلال دراسة شملت 20 شخصًا تعلموا الإسبانية للمرة الأولى، حيث أظهرت النتائج أن تعلم لغة جديدة يقلل من علامات الشيخوخة الذهنية ويقي من الخرف. لكن انتبهوا! فقد لاحظ الباحثون أن هذه الفوائد تزول عند التوقف عن ممارسة اللغة، مما يعني أن الاستمرار في استخدامها هو المفتاح للحفاظ على هذه المزايا العقلية.

تعلم لغة جديدة أسهل لمن يتحدث لغتين بالفعل!
إذا كنت قد تعلمت لغة ثانية سابقًا، فإن تعلم لغة ثالثة سيكون أسهل بكثير، حيث يصبح الدماغ أكثر تكيفًا مع أنماط اللغات المختلفة. ختامًا، لا شك أن التحدث بلغتين أو أكثر يحمل فوائد مذهلة، لكن الأبحاث حول تأثيرها على الدماغ لا تزال مستمرة. ومع توفر الإنترنت اليوم، فإن تعلم لغة جديدة أصبح أسهل من أي وقت مضى! فهل حان الوقت لإضافة لغة جديدة إلى مهاراتك؟

  1. (n.d.). Learn about the benefits of being bilingual. MosaLingua.
  2. Bhattacharjee, Y. (2012, March 17). The benefits of bilingualism. The New York Times.
  3. (2021, January 30). Why learning a second language will make you a better person. Jumpspeak.
  4. (2018, October 25). كيف يؤثر تعلمك لأكثر من لغة على دماغك. Al Jazeera
  5. ممدوح, خ. (2018, September 11). الدماغ ثنائي اللغة.. كيف يتعامل مع لغتين في آن واحد؟ Al-Ain News.
  6. TEDx Talks. (2016, January 12). The benefits of a bilingual brain | Mia Nacamulli | TED-Ed. [Video]. YouTube. 
  7. Al Jazeera. (2018, September 5). تعلم اللغات يعزز قدرات الدماغ. [Video]. YouTube 
  8. Telner, J., et al. (2018, September). Is there a bilingual advantage when driving and speaking over a cellular telephone? 
  9. Association for Psychological Science. (2014, April 16). Bilingualism alters the way the mind works. Association for Psychological Science. 

مقالات علمية أخرى

أحدث المقالات

قد يعجبك أيضاً

Scroll to Top