في هذا المقال سنتعرف على المقابر في عصور ما قبل التاريخ وكيف استخدموا حجارة الدولمن الضخمة لتصميم المقابر.

غالبية الحضارات الأولى كانت تعتبر الموت رسولا بين عالم المادة في الدنيا وعالم الأرواح. لذلك نشأ لديهم ايمان بضرورة دفن الموتى باهتمام ودقة أكثر بكثير من تلك المتبعة بطرق الدفن العادية.

شعوب العصر الحجري الحديث كانت تميز القبور بال”megaliths” حجارة عملاقة. كانوا يضعون ألواح حجرية مستقيمة مسقوفة بغطاء حجري لتشكيل مقبرة حجرية أو ما يسمى ب دولمين “dolmen”. في بعض المواقع، تم تغطية القبر ببعض الأتربة والحصى لتشكيل ما يعرف بال”mound”، والتي هي رمز استخدم للإشارة لجبل المقدس (دار الآلهة) وللرحم الإنجابي للأم (مصدر التجدد لحياة البشرية). فقبور الدولمن كما ذكرنا كانت قد استخدمت أبسط أنواع البناء المعماري “Post & Lintel”،أي: حجارة عمودية تفصل بينهم مسافة كبيرة وفوقهم سقف.

في المراكز الاحتفالية ومواقع الدفن، قد توضع حجارة ال”megaliths” العملاقة بشكل عمودي في دوائر أو عدة صفوف لتكوين موقع يرمز إليه بمصطلح “Stonehenge”. وكل حجر من الحجارة العمودية يصل ارتفاعه إلى حوالي 4 أمتار وبوزن قرابة ال25 طنا. ويمكننا ملاحظة التطور الذهني للبشر في ذلك الزمان عن طريق الاطلاع على طريقة تعاملهم مع هذه الاوزان الضخمة. فقد استخدموا طرق عديدة لتسهيل عملية نقل وتحريك هذه الحجارة العملاقة. وأشهر هذه الأعمال في العصر الحجري الحديث هو المزار الذي عثر عليه في جنوب انجلترا، وأقدمها هي تلك التي تم العثور عليها مؤخرًا في جنوب شرق تركيا. نعم، فمواقع الدفن هذه ليست فقط أماكن لدفن الموتى، بل أيضا تعتبر من أكثر أماكن الطقوس والشعائر غموضا من عالم ما قبل التاريخ.

من المتوقع أن مواقع ال”Stonehenge” كانت لهم بمثابة تقويم سماوي يستخدم بطريقة معينة، لتنبؤ حركات الشمس والقمر كتوقيت لبداية ونهاية كل موسم. وبالتالي توفر لهم مواقع ال”Stonehenge” المعلومات الضرورية للمجتمع الزراعي. تشير دراسة حديثة، أجراها باحثون من جامعتي “Nottingham Trent” و”University of Wales Trinity”، إلى أن المقابر الحجرية ربما كانت تُستخدم من قبل مجتمعات ما قبل التاريخ كوسيلة (تلسكوبات) لرصد السماء، وذلك بهدف استعمالها كتقويم لضبط عملية رعي المواشي. ويضيف الباحثون أن مداخل القبور الحجرية التي شيِّدت في العصر الحجري الحديث قد شكلت نافذة مميزة كان يمكن من خلالها النظر إلى النجوم بوضوح كبير. كما أن النظر عبر مدخل المقبرة الحجرية كان يتيح أيضا رؤية النجوم الباهتة!

قُدِّمَت هذه الدراسة في اجتماع الفلك الوطني في نوتنغهام في بريطانيا. درس الفريق البحثي عدد13 قبرا يبلغ عمرها ستة آلاف عام في البرتغال، ويعتقد أنها تصطف بمحاذاة نجم الدبران “Aldebaran”، وهو ألمع نجم في برج الثور. وعبر معرفة وضعية نجم الدبران، يعتقد أن مجتمعات العصر الحجري الحديث تمكنت من تحديد الوقت المناسب لنقل ماشيتها للرعي في أماكن أخرى. ولكن بعد إجراء بعض عمليات الحفر حول مواقع ال”Stonehenge” واكتشاف العديد من بقايا الجثث البشرية المحترقة، فمن من المحتمل أيضا أن هذه المواقع قد استخدمت لأداء الطقوس لجنازات الموتى المحترقين.