مَا هُوَ سِرُّ سُقْراطْ لكَسْب النّقَاشَات - كَيْفَ تُقنِع الآخَرين؟!

طريقة "نعم" التي استخدمها سقراط جعلت خصومه يتفقون معه!
محتويات

نادراً ما يؤدي الدخول في جدالات إلى نتائج إيجابية إذ غالبا ما تؤول الجدالات إلى العكس تمامًا. وبدلاً من ذلك، فقد ثبت أنه من المفيد والمحفز فكريًا تبني منظور يأخذ في الاعتبار وجهات نظر الآخرين ويهدف إلى تعزيز الاتفاق.

عند التحدث مع الأفراد، من الحكمة توجيه المناقشات بعيدًا عن نقاط الخلاف والتركيز على إبراز المعتقدات المشتركة. إن التأكيد المستمر على الأرضية المشتركة يعزز فكرة أن كلا الطرفين يعملان نحو نفس الهدف النهائي، ويختلفان فقط في المنهجية وليس في النية. هذا هو الأسلوب الأبسط للتمهيد والمباشرة بإقناع الطرف الآخر وإن لم يتم الإقناع، فإن الحجة تكون قد أقيمت عليه بلا أدنى شك. إن هذا الأسلوب في التحاور لهو الأساس لأسلوب وطريقة سقراط في مدراة الطرف الآخر والبدء بإقناعه.

أن تكون مقنعًا مثل سقراط يعني أن تدرك قوة أسلوبه وتطلع على سره. سقراط، الذي يحظى بالتبجيل باعتباره واحدا من أبرز فلاسفة التاريخ، لم يكتفي بإخبار الآخرين بأنهم على خطأ؛ وبدلاً من ذلك، استخدم بمهارة ما يعرف الآن باسم “الطريقة السقراطية”. ومن خلال طرح أسئلة تهدف إلى الحصول على الاتفاق، حصل تدريجياً على سلسلة من التأكيدات من محاوريه، مما دفعهم في النهاية إلى تبني استنتاجاته.
السر يركز بطريقة أساسية على العبارة التالية: عندما تناقش أحدا، لا تبدأ بالأمور التي تختلف أنت وإياه عليها، بل إبدأ بالأمور التي تتفقون عليها وحاول التأكيد عليها قدر المستطاع. وبالتالي يتم تأسيس الحوار والنقاش لينصب نحو هدف واحد.

لتطبيق هذا السر: إبدأ النقاشات دائما بأسئلة تكون إجابتها “نعم” بشكل حتمي وبديهي، وتجنب قدر المستطاع أن تسأل الطرف المقابل أسئلة تعطيك الجواب “لا”.

1- خطة “نعم” – تكنيك الإقناع!

خطة نعم المنسوبة إلى سقراط، تم إستخدمها من قبل أحد الموظفين في بنك جرينتش في نيويورك للحفاظ على عميل كانوا على وشك خسارته. باختصار: أراد العميل أن يفتح حسابا له في البنك ولكن عندما تم سؤاله مجموعة من الأسئلة الشخصية والضرورية في سياسة البنك: رفض العميل نهائيا واعتبرها أسئلة تتدخل بخصوصيته وغير قابلة للمشاركة. هنا تقدم أحد الموظفين وانهال عليه بمجموعة من الأسئلة بحيث كان جواب العميل دائما “نعم”.

سأله السؤال الأول: في حال وفاتك، بدلا من أن يحتفظ البنك بثروتك ألا تريد أن ننقلها للوارثين؟
فكان الجواب: نعم بالتأكيد!

طرح عليه السؤال الثاني: إذا أتوافق أن البنك بحاجة لمعلومات عن الورثة والعائلة في حال حصل لك أي مكروه؟
فكان الجواب: نعم أوافق!

واستمر الموظف على طرح هذا النوع من الأسئلة على العميل إلى أن أقنعه بطريقة بسيطة وباستخدام خطة “نعم”. فكانت النتيجة هي إقتناع العميل وتزويد البنك بالمعلومات الضرورية لفتح الحساب. فهكذا كان الأمر بالنسبة لسقراط حيث كان يستمر في طرح الأسئلة حتى وجد خصومه أنفسهم في نهاية المطاف، وبشكل غير محسوس تقريبًا، يتبنون نتيجة كانوا يعارضونها بشدة قبل دقائق معدودة.

2- الفلسفة النفسية لـكلمتا “لا” و “نعم”

وفقًا للبروفيسور هاري أوفرستريت (مؤلف كتاب ”التأثير على سلوك الإنسان -“Influencing Human Behaviour  عام 1925)، إن كلمة “لا” عقبة يصعب التغلب عليها. وبمجرد أن يلفظ الشخص كلمة “لا”، فإن كبرياؤه يوجب عليه أن يضل مناصرا لنفسه ويمنعه أن يتنازل عن الكلمة حتى لو اتضح لنفسه أنه مخطئ. عندما يعبر المرء عن الرفض، يكون هناك ضغط متأصل للحفاظ على الالتزام بموقفه الأولي.

عند النطق بـ “لا” بشكل حازم، فإن النظام الفسيولوجي بأكمله، بما في ذلك الوظائف الغدية والعصبية والعضلية، يحشد نفسه في وضع دفاعي من الرفض. على العكس من ذلك، عندما يجيب الفرد بـ “نعم”، يكون هناك غياب لردود الفعل الدفاعية، ويتبنى الانسان تصرفًا منفتحًا للآراء الأخرى.

لذلك، كلما زادت الاستجابات الإيجابية التي يمكننا الحصول عليها في البداية، زادت احتمالية جذب انتباه الشخص الآخر ومواءمتها مع اقتراحنا النهائي. في المرة القادمة التي نميل فيها إلى إخبار شخص ما أنه على خطأ، دعونا نتذكر حكمة سقراط وبدلاً من ذلك نطرح استفسارات لطيفة تؤدي إلى الاستجابة المرغوبة بـ “نعم، نعم!”.

 

مقالات تاريخية أخرى

أحدث المقالات

قد يعجبك أيضاً

Scroll to Top