مَنْ هُوَ جِنْكيز خَان؟ الإِمبْراطور المَغولي

محتويات

1- من هو جنكيز خان؟

جنكيز خان، القائد الذي صنع إمبراطورية غيّرت مجرى التاريخ، كان شخصية غامضة ومثيرة للفضول، حيث أنه لم يسمح خلال حياته برسم صورته أو نحت تمثاله أو حتى نقش ملامحه على العملات. وُلد حوالي عام 1162م بالقرب من حدود منغوليا وسيبيريا، في زمن كانت فيه القبائل البدوية تعيش في صراعات دائمة وحروب مستمرة. تميزت طفولته بظروف استثنائية، حيث يروى أنه وُلد وهو يحمل كتلة دموية في يده اليمنى، كأنها إشارة إلى المصير الدموي الذي ينتظره.

كانت حياته الأولى مليئة بالمآسي والتحديات. إذ فقد والده نتيجة مؤامرة من قبيلة معادية قبل أن يكمل عامه العاشر، ليتركه هذا الحادث وحيدًا مع والدته وإخوته في ظروف صعبة، حيث تخلت عنهم عشيرتهم خوفًا من تحمل عبء إعالتهم. في شبابه، تعرض للأسر والاستعباد، لكنه تمكن من الهروب ليبدأ في بناء سمعته كقائد قوي وشجاع. عبر التحالفات والمعارك الجريئة، بدأت شخصيته تبرز في الوسط المغولي لتجذب العديد من الأتباع ليباشر بعدها في توحيد القبائل تحت رايته. وهكذا بدأت تتشكل ملامح الإمبراطورية المغولية التي أصبح مؤسسها وملهمها.

2- تأسيس أكبر إمبراطورية

لم يكن جنكيز خان قائدًا عاديًا، بل كان رجلًا تجاوز الأعراف القبلية وغيّر موازين السلطة في عصره. بدلًا من منح المناصب لأقاربه كما جرت العادة، اعتمد على الأكفأ والأكثر ولاءً، مما عزز قوة جيشه ووحدته. لم يتسامح مع زعماء القبائل المعادية، فأمر بإعدامهم، لكنه ضم أفرادها إلى صفوفه محولًا بذلك أعداء الأمس إلى جزء من قوته المتنامية. رغم إيمانه بالمعتقدات الشامانية، إلا أن دولته ضمت أتباعًا لمختلف الديانات، من مسيحيين ومسلمين وبوذيين، ما جعلها كيانًا متنوعًا لا يعتمد على عقيدة واحدة. بحلول عام 1205م، كان قد أزال كل العقبات أمامه وحتى أقرب حلفائه السابقين، ليعلن في العام التالي قيام دولة واسعة امتدت عبر السهوب، حاملاً لقب “الحاكم العالمي” أو كما عُرف لاحقًا، جنكيز خان.

بعد أن نجح في توحيد القبائل، أصبح يحكم شعبًا يزيد على مليون نسمة، لكنه لم يكتفِ بالقوة العسكرية، بل وضع نظامًا يُنهي أسباب الفوضى بين العشائر. ألغى الامتيازات الوراثية للنبلاء، ومنع بيع النساء أو اختطافهن، كما أصدر قانونًا يحظر استعباد المغول، وفرض عقوبة الموت على من يسرق الماشية، باعتبارها مصدر الحياة في السهوب. لم يكن حكمه قائمًا على القوة وحدها، بل سعى إلى تنظيم دولته إداريًا: فأدخل نظامًا للكتابة وأمر بإجراء تعداد للسكان ومنح السفراء الأجانب حصانة دبلوماسية وأقر حرية المعتقد، في وقت لم تكن هذه الأفكار شائعة في بقية أنحاء العالم.

لم تتوقف طموحاته داخل منغوليا، فكانت أولى حملاته التوسعية ضد مملكة “شي شيا” (إمبراطورية تانغوت) في شمال غرب الصين. بدأ المغول هجماتهم بسلسلة من الغارات، قبل أن يشنوا حملة كبرى عام 1209م. لم يكن جيشه يعتمد على الإمدادات التقليدية، بل كان فرسانه يتنقلون بخفة ويصطحبون عدة خيول لكل رجل، ما أتاح لهم سرعة في الحركة لم تكن متوفرة للجيوش الأخرى. كما أن من استراتيجيات المغول الهجومية حيلة التراجع المزيف، التي كانت إحدى استراتيجياتهم المفضلة، فحاصروا العاصمة وأجبروا حاكمها على تقديم الجزية. ولم يمضِ وقت طويل حتى وجه جنكيز خان أنظاره نحو “جين”، الدولة التي كانت تسيطر على شمال الصين، بعد أن ارتكب حاكمها خطأ جسيمًا بمطالبته بالخضوع. منذ 1211م وحتى 1214م، دمرت قوات المغول الريف مما تسبب في موجات نزوح ضخمة إلى المدن، وأدى ذلك إلى أزمة غذائية أجبرت جيش “جين” على قتل عشرات الآلاف من سكانه لتخفيف الضغط. في النهاية، اضطر الإمبراطور إلى تقديم كميات ضخمة من الذهب والحرير والخيول كفدية. لكن لم ينته الأمر حينها، فعندما حاول الإمبراطور نقل عاصمته جنوبًا، اعتبر جنكيز خان ذلك خيانة، فاجتاح “جونغدو” (بكين حاليًا) ودمرها تمامًا.

لم يكن التوسع نحو الصين كافيًا، فبحلول عام 1219م، بدأ حملة أخرى نحو الغرب مستهدفًا إمبراطورية خوارزم التي امتدت عبر ما يُعرف اليوم بتركمانستان وأوزبكستان وأفغانستان وإيران. اندلعت الحرب بعد أن قام حاكم خوارزم بقتل تجار مغول وسفراء أرسلهم جنكيز خان، ما أثار غضبه ودفعه للرد بقوة. رغم أن جيش خوارزم كان يفوق المغول عددًا، إلا أن جنوده لم يتمكنوا من مجاراة المرونة القتالية التي تميز بها المغول. خلال فترة وجيزة، سقطت مدن مثل “بخارى” و”سمرقند” و”أورغينش”، وكان مصير سكانها يعتمد على مهاراتهم؛ فالحرفيون والمهنيون نُقلوا إلى منغوليا، في حين أُبيد قادة المدن والمحاربون الذين أظهروا مقاومة. أما الأسرى العاديون، فغالبًا ما استخدمهم المغول كدروع بشرية في معاركهم القادمة. لا توجد أرقام دقيقة عن عدد الضحايا، لكن المغول كانوا يدركون أن نشر الرعب في نفوس أعدائهم يمكن أن يكون سلاحًا فعالًا بحد ذاته، ما جعلهم ينتصرون في العديد من المعارك قبل أن تبدأ حتى.

3- موت جنكيز خان وقبره المفقود

تمكن جنكيز خان من بناء إمبراطورية مترامية الأطراف امتدت من سواحل المحيط الهادئ وصولًا إلى بحر قزوين. على الرغم من قوته التي امتلكها، يبقى كغيره من الحكام والملوك: بشرا يدركه الموت حين تأتي ساعته ولا يؤخر عنها وتبقى العزة لله. وهنا يرى البعض أنه توفي لأسباب طبيعية بينما تفيد روايات أخرى بأنه تعرض لحادث سقوط من حصانه، مما أدى إلى إصابته بجروح داخلية لم يتمكن من النجاة منها.

وعند وفاته في أغسطس 1227م، حرص أتباعه على تنفيذ وصيته بأن يُدفن في مكان غير معلوم. وخلال نقل جثمانه، أبادوا كل من صادفهم في الطريق لمنع انتشار أي معلومات عن موقع الدفن. وبعد مواراة جسده الثرى، جاب الفرسان المنطقة بخيولهم، ليمحوا أي أثر يمكن أن يكشف موقعه. ورغم مرور قرون طويلة منذ رحيله، لا يزال مكان دفنه لغزًا لم يتم حله حتى اليوم. على الرغم من كونه قائداً غازيًا لا يرحم، إلا أن هنالك من يراه من المغول زعيمًا موحدًا ورمزًا ذا مكانة عظيمة.

  1. A&E Television Networks. (2009, November 9). Genghis Khan descendants, Empire & Facts. History.com.
  2. الجزيرة نت. (2023, April 16). أشهر محارب في عصره.. جنكيز خان اليتيم الذي أسس الإمبراطورية المغولية.
  3. BBC. (2017, July 28). لماذا لم يتمكن أحد من العثور على قبر جنكيز خان؟. BBC News عربي.
  4. Britannica, T. Editors of Encyclopaedia (2025, February 3). Mongol empire. Encyclopedia Britannica.

مقالات ذات صلة

أحدث المقالات

قد يعجبك أيضاً

Scroll to Top