ابن سينا أمير الطب: مؤلف كتاب “القانون في الطب”

كان العامل الأهم الذي دفع التطور الفكري لابن سينا هو وصوله إلى المكتبة الواسعة الموجودة داخل قصر السمنديين. كان السمنديون أول سلالة حاكمة محلية في بلاد فارس بعد الفتح العربي. وكان دخول ابن سينا إلى هذه المكتبة المميزة تقديراً لإنجازه الرائع في علاج الأمير نوح بن منصور السمندي، بينما لم يتمكن أي من الأطباء المشهورين الآخرين في عصره من علاج حالة الأمير الخاصة.

بدأت رحلة ابن سينا المميزة في الطب في سن الثالثة عشرة. لقد حقق إنجازًا ملحوظًا ومبكراً في المجال الطبي، حيث تُقر بعض المصادر أنه أصبح طبيباً متمكناً بعمر 18 عامًا فقط، كما وأنه كان يعالج مرضاه بالمجان. بدأ ابن سينا كتابة “قانون الطب” في العشرينات من عمره كما أن له من الكتب المنسوبة إليه ما يقدرعددها بـ 450 كتابًا، وبقي حوالي 240 كتابًا حتى يومنا هذا. وأبرزها كتابه “القانون في الطب” الذي بقي المصدر الأساسي للمعرفة الطبية في الجامعات الأوروبية لمدة سبعة قرون متتالية، حتى منتصف القرن السادس عشر. في العصور الوسطى، أطلق الغربيون على ابن سينا لقب “أمير الأطباء” و”أبو الطب الحديث”. على الرغم من أنه أنتج المئات من المجلدات حول مواضيع عدة، إلا أن اهتماماته الأساسية كانت الفلسفة والطب. اشتهر كطبيب لامع في بلاده وخارجها، وانتشرت شهرته أكثر عندما تُرجمت كتاباته إلى اللاتينية والعبرية.

ومن المدهش أنه كان يمارس الطب التجريبي في ذلك الزمان بشكله الحالي، حيث كان يبتكر الأدوية ويجربها على الحيوان أولاً: فإن أثبتت فعاليتها يعالج بها مرضاه. امتدت خبرة ابن سينا إلى العلوم الجراحية حيث برع. فقام بتفصيل تقنيات مختلفة للتحكم في النزيف، والتي تضمنت طرقًا مثل: التضميد وكوي الجراح. كما أكد على أهمية إخراج السهام من الجسم بدقة لتجنب الإضرار بالأعصاب والشرايين. بالإضافة إلى ذلك، تحدى المعتقدات السائدة من خلال التأكيد على أن الجسم البلوري في العين ليس بمركز الرؤية وإنما هو العصب البصري، مما فتح آفاق قيمة في طب العيون للأجيل التي عقبته. ومن بين مساهماته العديدة في الطب، توجد جهود ابن سينا حول الأمراض المعدية ونقل العدوى. وافترض أن بعض الأمراض سببها كائنات دقيقة غير مرئية موجودة في الماء والهواء رغم إفتقاره لإستخدام المجهر في ذلك الوقت.

يعد عمل ابن سينا المبدع “القانون في الطب”، المعروف باسم ” The Canon of Medicine ” في الغرب، بمثابة شهادة عميقة على مساهماته في مجال الطب. كُتبت هذه الموسوعة الضخمة باللغة العربية في الرابع عشر الميلادي، والتي تلخص جوهر الطب العربي المتشابك مع أصوله اليونانية. يقدم كتاب القانون في الطب خلاصة وافية لأكثر من مليون كلمة، تغطي مجموعة شاملة من الأمراض البشرية والاكتشافات الطبية المحورية التي لا تزال ذات صلة حتى يومنا هذا. لقد تجاوز تأثيرها الحدود اللغوية حيث تُرجمت إلى الفارسية واللاتينية والعبرية. وفي العالم الغربي، اكتسب هذا الكتاب لقب “الكتاب المقدس الطبي” وكان بمثابة حجر الزاوية في التعليم الطبي لقرون عدة. تم تقسيم الكتاب إلى خمسة كتب مخصصة للعلاجات الطبية، وتضم مجموعة من 760 دواءً. تعمق أيضاً ابن سينا في مجالات علمية أخرى بما في ذلك علم النفس التنموي والفسيولوجي، وهو بمثابة مفتاح لعلم الطب النفسي الجسدي، الذي استكشفته لاحقًا أجيال من العلماء.