سور الصِّين العَظيم: أكثر من مجرد حصن!
محتويات
أصل ومنشأ سور الصين العظيم
يعد سور الصين العظيم أحد أكثر الهياكل شهرة في العالم، ورمزاً لتاريخ الصين القديم وثقافتها. يمتد الجدار لأكثر من 13000 ميل عبر شمال الصين، عابراً الصحاري والجبال والمراعي. ولكن كيف ظهر هذا الحصن الهائل؟
تعود أصول سور الصين العظيم إلى أكثر من ألفي عام، إلى فترة الممالك المتحاربة (475-221 قبل الميلاد) في الصين القديمة. خلال ذلك الوقت، انخرطت دول الصين المختلفة في حروب وصراعات متكررة، وبنت كل دولة أسوارها وتحصيناتها للدفاع. بمرور الوقت، تم ربط الجدران وتوسيعها تدريجياً لتصبح حاجزاً متصلاً بين المناطق والذي أصبح في النهاية سور الصين العظيم كما نعرفه اليوم.
تم بناء سور الصين العظيم لحماية الصين من غزو القبائل البدوية من الشمال، الذين كان يُنظر إليهم على أنهم تهديد دائم لإستقرار وأمن الدولة الصينية. في القرون التالية، استمرت السلالات المختلفة في توسيع وتجديد سور الصين العظيم، وتحويله إلى رمز لمرونة الصين وقوتها. كانت سلالة تشين “Qin Dynasty”، السلالة الأولى للإمبراطورية الصينية (221-206 قبل الميلاد)، أول سلالة قامت ببناء واسع النطاق للسور العظيم، وقد نجحت في توحيد مختلف دول الصين لتصبح إمبراطورية واحدة. أمر آنذاك الإمبراطور الأول تشين، تشين شي هوانغ، بتوصيل وتوسيع الجدران الموجودة لتصبح حاجزاً منيعاً ومتصلاً وهو ما بات يُعرف بإسم سور الصين العظيم.
تطلب بناء السور خلال عهد أسرة تشين مهمة ضخمة، تضمنت حشد مئات الآلاف من العمال والجنود، بالإضافة إلى استخدام تقنيات هندسية متقدمة. تم بناء الجدار باستخدام مزيج من التراب والحجر والطوب والأرض المدكوكة “Rammed earth”، وتم تعزيزه بأبراج المراقبة وأبراج المنارات وغيرها من الهياكل الدفاعية.
مقالات تاريخية أخرى
أحدث المقالات
أهمية سور الصين العظيم – ليس مجرد حِصن!
نعم، كان سور الصين العظيم بمثابة حاجز مادي لمنع القبائل البدوية من مداهمة المستوطنات والبلدات الصينية ورمزاً لقوة الصين ومرونتها; إذ أنه بمثابة شهادة على قوة الدولة الصينية. لكن لم يتم بناء سور الصين العظيم فقط كحصن دفاعي من غزو الأعداء؛ فكان وسيلة فعالة للسيطرة على حركة الناس والبضائع. بفضل الموقع الإستراتيجي للجدار على طول الحدود الشمالية للصين، تمكنت السلطات الصينية من مراقبة وتنظيم تدفق الأشخاص والبضائع الداخلة والخارجة من البلاد حيث تم تصميم الجدار ببوابات ونقاط تفتيش لتتبع المسافرين والبضائع وتحصيل الضرائب والرسوم.
ساعد الجدار أيضاً في السيطرة على حركة الأشخاص والبضائع داخل الصين نفسها. فبناء الجدار صعَّب على الناس التنقل بحرية بين مناطق مختلفة من الصين، حيث يتعين عليهم المرور عبر نقاط التفتيش والبوابات على الحائط. وقد ساعد ذلك في تنظيم حركة الناس ومنع انتشار الأمراض، فضلاً عن الحفاظ على القانون والنظام. لعب الجدار أيضاً دوراً مهماً في سياسة الصين الخارجية، لا سيما في علاقاتها مع القبائل البدوية في الشمال. غالباً ما يستخدم قادة الصين الجدار كورقة مساومة في المفاوضات مع هذه القبائل، ويعرضون السماح لهم بعبور الجدار أو حتى الدفع لهم مقابل السلام والاستقرار على طول حدود الصين.
هجر ثم ترميم السور
تم توسيع الجدار وإعادة بنائه باستمرار على مر القرون .خلال عهد أسرة مينج (1368-1644)، تم تجديد الجدار على نطاق واسع وتوسيعه إلى شكله الحالي لمنع غزو مغولي آخر. شهدت أسرة مينج أيضاً إضافة أبراج مراقبة وثكنات وهياكل دفاعية أخرى على طول الجدار.
تعرض سور الصين العظيم لفترات عديدة من الإهمال والترميم طوال تاريخه. حدثت أول فترة مهمة من التخلي خلال عهد أسرة مينج، عندما واجهت الصين تمرداً داخلياً وتهديدات خارجية من شعب المانشو. حينها لم يعد بإمكان أباطرة مينغ تحمل تكاليف صيانة الجدار، وسقط في حالة سيئة. ومع ذلك، خلال عهد أسرة تشينغ، سلالة إمبراطورية صينية بقيادة المانشو (1636-1912) وهي آخر سلالة إمبراطورية في تاريخ الصين، تم ترميم الجدار وتحصينه مرة أخرى لصد الغزاة الروس والمنغوليين. في أواخر القرن التاسع عشر، تم استخدام الجدار أيضاً لمنع التهريب والسرقات على طول الحدود الشمالية للصين. في القرن العشرين، تعرض سور الصين العظيم لأضرار جسيمة خلال الحرب الأهلية الصينية والحرب العالمية الثانية. بعد إنشاء جمهورية الصين الشعبية في عام 1949، كان يُنظر إلى الجدار على أنه رمز للتراث الثقافي الصيني، وبُذلت الجهود لإستعادته والحفاظ عليه. ومع ذلك تعرضت جهود ترميم سور الصين العظيم لإنتقادات كونها تضر بالهيكل الأصلي. وتشمل هذه الانتقادات: إستخدام المواد والتقنيات الحديثة، عدم التشاور مع الخبراء والمجتمعات المحلية، وتفضيل مصلحة السياحة على الجدار. فعلى الرغم من أن السياحة هي مصدر دخل مهم للمجتمعات المحلية، إلا أنها يمكن أن تؤدي إلى الإكتظاظ, رمي النفايات, وأشكال أخرى من الأضرار التي من شأنها أن تجلب الأضرار والآثار السلبية للجدار والمناطق المحيطة به. لذلك فإن عملية ترميم سور الصين العظيم والحفاظ عليه بمثابة تحدٍ يتطلب الموازنة بين الحاجة إلى الترميم والحفاظ على الهيكل الأصلي.
وفقاً لما ذكر أعلاه, أصبح سور الصين العظيم معلماً سياحياً هاماً وأيقونة ثقافية للصين، حيث جذب الزوار من جميع أنحاء العالم الذين كانوا مفتونين بتاريخها وعجائبها الهندسية. على هذا النحو، لعب الجدار أيضاً دوراً في تعزيز صورة الصين الدولية وجذب الإستثمار الأجنبي والسياحة.
بشكل عام، لعب سور الصين العظيم دوراً متعدد الأوجه في العلاقات الدبلوماسية للصين مع الدول الأخرى، حيث كان بمثابة حاجز عسكري وورقة مساومة ورمزاً ثقافياً للهوية والتراث الصيني.
أبرز المراجع
- Centre, U. W. H. (n.d.). The Great Wall. UNESCO World Heritage Centre. https://whc.unesco.org/en/list/438/
- A&E Television Networks. (2010, August 24). Great wall of China. History.com. https://www.history.com/topics/ancient-china/great-wall-of-china
- Lovell, J. (2007). The great wall: China against the world, 1000 BC-AD 2000. Atlantic.
- Waldron, A. (2003). The Great Wall of China from history to myth. Cambridge University Press.
- Lindesay, W. (1991). Alone on the Great Wall. Fulcrum Pub.
- Lou, Z., Lou, Z., Xianwu, Z., & Zengfen, W. (1986). The Great Wall of China in history and Legend: Traditional chinese arts and culture. Foreign Languages Press.
- Encyclopædia Britannica, inc. (n.d.). Rammed earth. Encyclopædia Britannica. https://www.britannica.com/technology/rammed-earth