العَسَلْ: الذِّهَبُ السَّائِل والعُملَة النَّقدِيَّة!
محتويات
1- العسل في تاريخ الثقافات القديمة
لطالما ارتبط العسل بقيمة استثنائية عبر التاريخ، ليس فقط كغذاء لذيذ ومصدر طبيعي للطاقة، بل أيضًا كرمز للقيمة والثروة. في العديد من الحضارات القديمة، لم يكن العسل مجرد مادة غذائية للتحلية، بل عُدّ “ذهبًا سائلًا” استخدم كعملة وأداة للضرائب.
في العصور الوسطى كانت تُفرض ضريبة على تربية النحل في أوروبا واستمر تحصيلها حتى سنة 1934م. إن تربية النحل كانت ذات قيمة كبيرة لأنها توفر العسل، والذي كان يُستخدم بدوره كمصدر رئيسي للتحلية قبل انتشار السكر، بالإضافة إلى شمع النحل الذي كان يستخدم في صناعة الشموع. وبسبب اعتباره كمادة ثمينة، كان يُعتبر عملة حقيقية لا يقل عن غيره من العملات. فكانت تُؤخذ بعض الضرائب بهذا الذهب السائل في عهد الإمبراطور شارلمان “كارل الكبير”، وهو من أوائل القادة الذين أولوا اهتمامًا كبيرًا بالضرائب والتنظيم الإداري. كما كان الإمبراطور يُجبر المزارعين على تربية النحل ودفع ثلثي محصولهم من العسل.
استخدم المصريون القدماء العسل لتحلية طعامهم ومشروباتهم، وكانوا معروفين بممارسة تربية النحل، كما يتضح من النقوش الهيروغليفية على الأهرامات. وقد تم اكتشاف أوانٍ من العسل داخل الأهرامات المصرية، والمذهل أن هذا العسل، رغم مرور آلاف السنين عليه، لا يزال صالحًا للأكل! في الواقع كان للعسل أهمية كبيرة لدى المصريين القدماء لدرجة أنه كان يُستخدم أحيانًا كعملة لدفع الضرائب.
2- العسل والعملات النقدية
البشر استخدموا رمزية النحل بشكل واسع عبر التاريخ، حيث ظهرت صور النحل بشكل متكرر على العملات المختلفة، سواء الرمزية منها أو المعدنية، كإشارة إلى قيمته الثقافية والاقتصادية. على سبيل المثال، نجد عملات معدنية من مدينة ديراكشيوم، وهي مستعمرة يونانية قديمة تقع في المنطقة المعروفة حاليًا باسم ألبانيا، وكذلك مدينة دلفي في اليونان، التي كانت مركزًا دينيًا مشهورًا في العالم القديم. من أبرز هذه العملات عملة تحمل صورة أريستايوس، وهي شخصية أسطورية ارتبطت بالنحل ولقبت بـ “المولود من نحلة”، إشارة إلى علاقته الوثيقة بفنون تربية النحل والزراعة.
أما في جزيرة كريت، وهي أكبر الجزر اليونانية وأكثرها اكتظاظًا بالسكان، فقد كان النحل رمزًا رئيسيًا يعكس أهميته في الثقافة المحلية. يظهر ذلك من خلال صور النحل المنقوشة على العملات المعدنية، وكذلك تصميم خزائن الكنوز بشكل يشبه خلايا النحل، مما يعكس دور النحل في الحياة الاقتصادية لهذه المنطقة.
في عام 2022، أصدرت دار سك العملة الملكية الأسترالية عملة معدنية فئة 2 دولار مزينة برمز النحلة، مستوحاة من تصميم يعود إلى 2400 عام استخدمه دار سك العملة المقدونية في عملة فضية من نوع “أوبول” تحمل صورة نحلة على أحد وجهيها. على مر العصور، أصبحت العملات التي تجمع بين رمزية النحل وا لعسل وفكرة المال ظاهرة شائعة. تناولت دراسة نُشرت في Australian Coin Review هذا الارتباط، مسلطة الضوء على تاريخ النحل في تصميم العملات، ومقترحة تفسيرًا علميًا يشرح لماذا تميل أدمغتنا إلى الربط بشكل طبيعي وغريزي بين النحل المنتج للعسل ومفهوم القيمة.
اشتهرت مالطا عبر التاريخ بإنتاج العسل، وهو ما انعكس بوضوح في عملة “3 ملز” التي تم إصدارها وتداولها بين عامي 1972 و1981. حملت هذه العملة تصاميم مميزة تصور نحلة وقرص عسل، مما يبرز العلاقة التاريخية العميقة بين مالطا وصناعة العسل.